قلب ينبض
لم يكن “أحمد” يتوقع يومًا أن يقع في الحب من خلال سرير مستشفى…
شاب طموح، يحمل في داخله حلمًا ثقيلًا بالحياة والنجاح.
يعمل بلا راحة، يقرأ كثيرًا،
يسهر على مشاريع صغيرة، ويجهز نفسه لمستقبل
لا يريد فيه أن يكون “عاديًّا”.
ولكن… الجسد له حدود، والقلب يتعب.
في يومٍ مشحون بالعمل والضغط،
سقط أحمد مغشيًا عليه في أحد ممرات الشركة.
لم يستيقظ إلا والأنوار البيضاء فوق رأسه،
ورائحة المعقمات تملأ أنفه. وكان أول وجهٍ يراه…
وجهها. ديالا، مساعدة طبيب، في بداية الثلاثينات،
وجهها هادئ كأنها تخرج من رواية فرنسية كلاسيكية،
لكن نظراتها كانت قوية كأنها تكتب نهايتها بنفسها.
“أنت محظوظ يا أحمد، لو تأخرت ساعة واحدة فقط،
كان ممكن تفقد الكثير.” قالتها بابتسامة، وهي تضبط له جهاز التنفس،
وتمسح عرق جبينه. لم يرد… لكنه لم ينسَ.
مرّت أيام العلاج بصمتٍ مشبع بالحضور. ديالا كانت تمر عليه كل يوم،
تسأله بلطف، تضحك على تعليقاته الجافة،
وتقرأ معه أحيانًا من كتاب صغير يحتفظ به تحت الوسادة.
شيئًا فشيئًا، بدأ أحمد يشعر أن قلبه يتعافى، ليس فقط من المرض…
بل من الوحشة. خرج من المستشفى جسديًّا…
لكن روحه بقيت معلّقة بين يديها. ولم يستطع أن يبتعد.
بعد خروجه، كتب لها رسالة قصيرة بخط يده، سلّمها للممرضة:
“أنا مدين لكِ بالحياة، وبشيء آخر لا أعلم كيف أصفه..
. لكنني أعيشه منذ لحظة لمستِ يدي.”
ديالا قرأت الرسالة، وابتسمت…
لكنها لم ترد. بل ظهرت في اليوم التالي أمامه، خارج المستشفى،
تمسك بعلبة شوكولا وكتاب صغير. “الحياة دين متبادل يا أحمد…
وأنا أيضًا مدينة لك لأنك جعلتني أؤمن
أن هناك من يراك حتى وأنت في أسوأ حالاتك.”
بدأت قصتهما من لحظة ضعف… لكنها صمدت في كل لحظات
القوة. أحمد صار يزورها كل يوم بعد مناوبتها،
كانت تدفعه للنجاح، وهو كان يفتح لها باب الحياة من جديد
بعد تعب سنين في ردهات الطوارئ. تعاهدا أن لا يكون بينهما شيء
يشبه العلاقات السريعة… بل علاقة تقوم على العطاء،
التحفيز، والصدق. وفي أول يوم من افتتاح شركته الخا
صة، وقفت ديالا بجانبه، نفس الابتسامة، نفس النظرة،
نفس الإيمان. “أنا تعافيت لأنك آمنت بي،
وأنا أنجح اليوم لأنك لم تمشي عني.
” قالها وهو يمسك يدها أمام الجميع. اليوم،
بعد خمس سنوات،
لا زال يحتفظ بتلك الرسالة بخط اليد،
ولا زالت هي تقرأ له في المساء كتابًا من اختيارها.
بعض العلاقات لا تبدأ من كلمة “أحبك”…
بل من لحظة ضعفٍ نبيل، وصبر، وامتنان صادق.